ثانوية على حافة الغياب: حين صرخ الحلم في وجه الجدار

بواسطة mohamed

في صباحٍ اختلط فيه الغبار بمرارة الغضب، اجتمع العشرات أمام مباني الولاية في أطار. لم يحملوا لافتات فحسب، بل حملوا وجعًا ثقيلًا اسمه "المستقبل". رجال ونساء، آباء وأمهات، تلاميذ وذكريات، كلهم اجتمعوا تحت شمسٍ لا تعرف المزاح، ليقولوا بصوت واحد: "لا تقتلوا أحلامنا... ثانويتنا حق لنا."

لكن القصة أعمق من شعار. إنها بداية فصول من التهميش تُكتب الآن بحبرٍ من الخيبة.

في عيون الأمهات وقفةٌ دامعة، لا تشبه احتجاجات السياسة ولا مطالب الأجور. كانت وقفة حياة، ضد قرارٍ صادر من وزارة التربية، بإغلاق ثانوية الامتياز في أطار وتحويل طلابها إلى العاصمة نواكشوط. قرار جاء كما تأتي العواصف في ليالٍ بلا إنذار.

يصفه المحتجون بأنه أشبه بحكمٍ جائر، لا يستند إلى واقع، ولا ينظر في عيون من يطبق عليهم. الأسر وجدت نفسها أمام خيارين كلاهما قاسٍ: إما الهجرة القسرية إلى العاصمة، بكل ما تحمله من كلفة وألم، أو ترك الحلم يذبل في صمت، خاصة عندما يتعلق الأمر ببناتٍ لا تسمح التقاليد، ولا الظروف، بابتعاثهن دون حماية الأسرة.

"هل يريدون منا أن نغادر أطار لنعلّم أبناءنا؟ ومن يعوّضنا؟ من يحتضننا في نواكشوط؟" تساءل أحد الآباء، بينما كانت خلفه ابنته ترفع لوحة صغيرة، كتب عليها بخطٍ مهتز: "كنت أحلم أن أصبح طبيبة."

أما إحدى الأمهات، فوصفت القرار بأنه "إعدام صامت"، لا يترك دمًا على الجدران، لكنه يترك جرحًا عميقًا في روح الأجيال. تحدثت عن سنواتٍ من التراجع في التعليم داخل ولاية آدرار، عن نتائج باكلوريا متدنية، وعن صمتٍ رسميّ لا يُكسر حتى حين يذبل الحلم.

في هذا اليوم، لم تكن الوقفة احتجاجًا فقط، بل كانت طقس وداع لثانوية تحوّلت من منارة إلى ذكرى. ووراء الكلمات، كانت الرسالة أوضح من كل بيان: حين تنهار المدرسة العمومية، تنهار معها أسس العدالة، ويتحوّل التعليم من حقّ إلى امتيازٍ لا يناله إلا القادرون على الهجرة أو الدفع.

هذه ليست قصة ثانوية فقط، بل قصة وطنٍ يحتاج أن يسمع أبناءه، قبل أن تبتلع الرمال آخر صرخاتهم.