الثورة الرقمية وتحدياتها أمام المجتمع الموريتاني

بواسطة mohamed

تُعد الثورة الرقمية ووسائط الإعلام الجديد سلاحاً ذا حدّين؛ فقد فتحت أمام البشرية آفاقاً غير مسبوقة للتواصل والمعرفة وتبادل الخبرات، لكنها في الوقت نفسه فرضت تحديات هائلة على مختلف المجتمعات. وتزداد وطأة هذه التحديات على المجتمعات الأكثر هشاشة والأقل قدرة على التكيّف مع التحولات المتسارعة، ومنها المجتمع الموريتاني.

لقد دخلت وسائل التواصل الاجتماعي فضاءنا العمومي بسرعة خاطفة، قبل أن يتهيأ الرأي العام ونُخبه لضبط إيقاعها أو استثمارها في البناء. فبدل أن تتحول هذه المنصات إلى ميادين للنقاش المسؤول وتلاقح الأفكار وإثراء الديمقراطية، كثيراً ما تحولت إلى منصات للتناحر وتبادل الشائعات، وإلى بؤر لتغذية الكراهية والشرائحية والقبلية والجهوية. وهذه الظواهر، التي تعكس هشاشة البنية الاجتماعية، تجد في الوسائط الرقمية أرضاً خصبة لتنتشر بسرعة مضاعفة، مؤثرةً في الاستقرار والسلم الأهلي.

إن التحدي الحقيقي الذي يفرضه هذا الواقع لا يقتصر على ضبط المحتوى أو ملاحقة خطاب الكراهية فحسب، بل يكمن في بناء وعي جماعي قادر على تمييز الغث من السمين، وإنتاج مضامين توازي سرعة الانتشار وقوة التأثير. فالمجتمعات التي تعجز عن بناء خطاب إيجابي جامع سرعان ما تقع فريسة للخطابات التفكيكية التي تهدد كيانها ومشروعها الوطني.

ولذلك، فإن مسؤولية النخب الموريتانية – السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية – تتضاعف اليوم. ومن أهم الأدوار التي يتعين عليها الاضطلاع بها:
    1.    ترشيد الخطاب العام: بالابتعاد عن لغة التهييج، واعتماد خطاب وحدوي يعزز المشترك الوطني، ويرسخ قيم المواطنة فوق الانتماءات الضيقة.
    2.    إنتاج محتوى رقمي إيجابي: عبر تشجيع المبادرات الشبابية والإعلامية التي تقدم نماذج مضيئة عن التعايش، وتسلط الضوء على التجارب الوطنية الجامعة.
    3.    تعزيز التربية الإعلامية والرقمية: من خلال دمج برامج في المدارس والجامعات تُعنى بمهارات التفكير النقدي وكيفية التعامل مع المعلومات المضللة.
    4.    بناء أطر قانونية وتشريعية توازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع من خطابات التحريض والكراهية، دون أن تتحول إلى أدوات للتكميم.
    5.    فتح فضاءات حوار حقيقي تشارك فيه مكونات المجتمع كافة، بما يتيح التعبير عن الهواجس في بيئة آمنة ومؤسساتية بدل الانزلاق نحو التفجر الرقمي غير المنضبط.

إن الثورة الرقمية قدرٌ لا مهرب منه، ولا يمكن مواجهتها بالمنع أو الانغلاق، وإنما بالوعي والتأطير والإنتاج. وموريتانيا، بما تملكه من رصيد ثقافي وديني وتاريخي، قادرة – إن تضافرت جهود نخبتها – على تحويل التحدي إلى فرصة، وعلى جعل الفضاء الرقمي رافعة للوحدة والتنمية بدل أن يكون معول هدم للنسيج الاجتماعي.

القطب سيداتي 
كاتب وباحث 
رئيس تجمع كفاءات في خدمة الوطن