حين تتوارى المدن خلف الضجيج، تظل مدينة أطار واقفة بين الجبال شاهدة على صراع الصبر والنسيان. ليست المدينة التي تعبّر عنها الخرائط فحسب بل الأرض التي تنطق بالحضارة وتئنّ من التجاهل.
فيها عبق التاريخ ونداء الحاضر وانتظار المستقبل. مدينةٌ تملك من المقومات ما يجعلها منارات لكنها لا تزال تُحاصر بالتأجيل وتُقصى من أولويات الفعل.
هنا، حيث تصحو الجبال على أذان الفجر، وتنساب النسائم بين الأسواق القديمة، يسكن وجعٌ خافت لا تصفه الكلمات لكنه حاضر في نظرات العابرين، وفي وجوه الكادحين الذين ما بدلوا تبسُّمهم رغم كل شيء.
يقول أحد كبار السن: "عشنا على القليل، وكنا نحلم بالكثير... أما اليوم، فلا القليل يأتينا ولا الكثير يُسمع لنا."
وتهمس سيدة من بين الجدران الطينية القديمة: نغسل ملابسنا بانتظار الماء، ونُسكن الدواء في الدعاء... أما أبناؤنا فإما أن يصبروا على الرداءة أو يرحلوا.
مدينة أطار اليوم ليست على هامش الجغرافيا فحسب بل على هامش التخطيط والاهتمام... مدينة اختُزلت في الصور التذكارية والمهرجانات الموسمية، ثم تُركت لتواجه وحدها قسوة التهميش وتحديات العيش وتقلّب الطبيعة.
لا يشتكي أهلها كثيرًا لكن في صدورهم مرارة لا تنفثها إلا الرياح التي تعرف تفاصيلهم وعيونهم التي لم تعتد البكاء لكنها تعرف الحزن حين يمر.
في كل زقاق حكاية عن تأخّر وصبر وانتظار... انتظار قطرة ماء لا تصل وصوت مسؤول لا يُصغي وخطوة إصلاح لا تأتي.
فإلى من بأيديهم القرار:
لا تجعلوا أطار مدينة تُزار وتُنسى أو تُصوّر وتُترك.
هي نبض حيّ وتاريخ عريق وقلوب لا تزال تعلّق آمالها على صحوة ضمير...
صحوة لا تحتاج إلى لجان ولا وعود، بل إلى فعلٍ بسيط يُعيد لهذه الأرض دفءَ الانتماء، وكرامة العيش، وعدل التوزيع.