شهدت الساحة السياسية الموريتانية منذ سنوات دخول شعار الشباب في القاموس السياسي الحديث، وهو حضور له ما يبرره نظرا للدور الذي بدأ الشباب يلعبه في توجيه الرأي العام الوطني، فمنذ حراك الربيع العربي لم يعد الشباب منهمك في الترفيه فقط، بل أصبح هو المحرك الفعلي للرأي العام، وقد تعزز ذلك أكثر مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت هي المنبر شبه الوحيد للخطابة والتوجيه بعد "موت الأنشطة" الحزبية والنقابية الميدانية، هذا بالإضافة لتزايد نفوذه في المجتمعات الأهلية نظرا لحالة اليأس والتآكل وغياب التواصل الدائم بين المنتخبين المحليين مع القاعدة واقتصار السياسة على حراك انتخابي موسمي.
ومع إعلان الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني ترشحه للرئاسيات فاتح مارس 2019 تشكلت قوى سياسية شبابية على شكل مبادرات وتيارات لمواكبة رؤيته الإصلاحية التي عبر عنها من خلال خطابه المميز والذي بعث الروح لدى الشباب الطامح لخدمة وطنه.
وبحكم عملي كمؤطر سياسي لتلك المبادرات الشبابية ضمن فريق المنسقية العامة للمبادرات بقيادة الإطار المحترم حبيب ولد همت فقد اطلعت شخصيا على تشكيلات سياسية ذات أبعاد وطنية عملت بكل جد وإخلاص وبجهود ذاتية حتى تكللت مهمتنا بالنجاح في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية 2019.
إلا أننا وبعد التنصيب بدأنا نتفاجأ من تحكم مجموعة رافضة للشباب بل وتعمل بكل الوسائل المتاحة لتقزيم مساهماته في المشهد السياسي الوطني والترويج لقصوره السياسي والمعرفي لابعاده عن مركز صناعة القرار وعلى الرغم من أن هذه الحيلة هي استمرار لنظرية صراع عبثي بين الأجيال يخيم في عقول شخصيات سياسية أشرفت على اختتام مشوارها السياسي وترفض التقاعد من المشهد الذي هو سنة الحياة -التجديد- إلا أنه يشكل كذلك خطرا محدقا على استمرار الدولة الموريتانية خصوصا في ظل التحديات الاستراتيجية الكبيرة في العالم عموما ومنطقتنا الإقليمية خصوصا، بحيث نحن بحاجة ماسة لخلق قيادات سياسية بإمكانها تسيير السياسة المحلية وفق استراتيجية محكمة للحفاظ على اللحمة الوطنية.
لقد أخذ منحى إبعاد وتشويه الأطر والكفاءة الشبابية خصوصا ذات الطموح العالي أبعادا عدة مرة بالتحايل على الفرص المقدمة للشباب لجعلها دولة بين أبناء الأسر النافذة فقط أو بتقديم نسخ مشوهة للشباب للبرهنة بذلك على نظرية قصور الشباب سياسيا ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد تم استهداف الشباب السياسي في الإدارات لتصفية الحسابات معه لا لذنب اقترفه سوى أنه قد يشكل بديلا لمجموعة ترفض الاستسلام لصيرورة الحياة وتريد أن لايكون هناك أي بديل حتى تظل هي الخيار الوحيد المتاح.
لذا نرجو أن يتدخل صاحب الفخامة شخصيا لمنع الأيادي الخفية التي أبعدت شباب الهامش في المأمورية الأولى وتحاول مع بداية هذه المأمورية الثانية التي اختار لها فخامة رئيس الجمهورية عنوان "مأمورية الشباب" وينتظرها الشباب المهمش بفارق الصبر لتجسيد توجهات الرئيس حول تمكين الشباب وفق مقاربة عادلة ومنصفة لأبناء الهامش للمساهمة في بناء وطنهم وحتى لا تكون دولة بين "عائلات معيينة".
ولاشك أن تجسيد ذلك لا يحتاج إلا إلى نية صادقة مع الله واتجاه الوطن والتسامي عن خلافات الماضي والتباين في الآراء السياسية.
وبشكل عملي، وبما أن العرف السياسي عندنا يخصص رئاسة مجالس الإدارات للشخصيات الوطنية التي تقاعدت ينبغي كذلك تخصيص الإدارات المساعدة في القطاعات الوزارية والمؤسسات الوطنية للشباب لتكوين قيادات إدارية وسياسية شبابية وضمان التكامل بين الأجيال لخدمة الوطن، كما ينبغي مراجعة النظام الانتخابي في الحوار المقبل لجعل الحصول على مستوى تعليمي شرط أساسي في المناصب الانتخابية ليكون لممثلي الشعب دور عملي في تجسيد التنمية المحلية الشاملة، وحتى لاتكون العملية السياسية مجرد تقليد عبثي لا تترتب عليه أي مساهمات تنموية في الدوائر الانتخابية.
أحمدو ولد محمد فال ولد أبيه