لعبة "السيك".. تراث موريتاني أصيل ينبض بروح الصحراء

بواسطة mohamed

تُعد لعبة "السيك" واحدة من أشهر وأعرق الألعاب الشعبية في المجتمع الموريتاني، خاصةً بين النساء، حيث حافظت عبر الأجيال على مكانتها كوسيلة ترفيهية وتعليمية تنبع من صميم البيئة الصحراوية، وتعكس في جوهرها تفاصيل الحياة البدوية وثقافة التنافس والتعاون في آنٍ واحد.

جذور اللعبة وارتباطها بالمحيط

يمثل الشكل العام للعبة "السيك" انعكاسًا حيًا للبيئة التي نشأت فيها؛ فالمكون الأساسي للّعبة هو كومة من الرمل تُشكّل على هيئة ظهر دابة، يُطلق عليها محليًا اسم "لبرا"، بطول يُقارب 60 سنتيمترًا. 

هذه البنية الرملية ليست مجرد سطح للّعب، بل هي محاكاة لطبيعة الأرض الصحراوية، حيث تنشأ الألعاب في تفاعل عضوي مع المحيط.

عناصر اللعبة وأدواتها

تتطلب ممارسة لعبة السيك مجموعة من الأدوات البسيطة ولكنها ذات دلالات رمزية وشكلية دقيقة:

  • السيكات: وهي أعواد عددها ثمانية، يتراوح طول الواحد منها بين 30 و40 سنتيمترًا ,و تمتاز هذه الأعواد بوجهين مختلفين؛ أحدهما مقوس وملون (الوجه)، والآخر أملس بلون واحد (الظهر)، وتُستخدم في كل رمية لتحديد حركة اللاعبين.
  • القطع: تمثل العناصر التي يتحرك بها كل فريق، وتُصنع غالبًا من الحجارة أو العيدان أو قطع من القصب، ويتولى كل فريق تحريك قطعه عبر "لبرا" في اتجاه الفريق الخصم.
  • لبرا: تنقسم إلى قسمين متقابلين، يتموضع في كلٍ منهما فريق، ويفصل بينهما خطان من النقط والحفر تمثل مجال حركة قطع السيك.

آلية اللعب وقوانينها

تقوم اللعبة على مبدأ التناوب في اللعب بين فريقين، حيث لا يُسمح لأي لاعب بتحريك قطعه على "لبرا" إلا بعد تنفيذ رمية تُسقط فيها السيكات على وجه واحد، سواء كان "الوجه" أو "الظهر". 

ويُحسب عدد النقاط تبعًا للوضع الذي تتخذه السيكات، مما يحدد عدد الحفر التي يمكن التحرك عبرها. يهدف كل فريق إلى إيصال قطعه إلى معسكر الفريق الآخر وإخراج عناصره من دائرة اللعب.

البُعد الثقافي والاجتماعي للعبة

تُعتبر لعبة السيك أكثر من مجرد وسيلة للترفيه، فهي تحمل في طياتها أبعادًا اجتماعية وثقافية غنية. 

فهي تُمارس في جو جماعي يجمع النساء في جلسات ودية، مما يعزز الروابط الاجتماعية وينمّي حس المشاركة والتنافس الإيجابي. 

كما تحمل اللعبة قيمًا تربوية مثل الصبر، التخطيط، وروح الفريق.

السيك العصري.. تطوير يحفظ الأصالة

مع تحول نمط الحياة في موريتانيا من البداوة إلى التحضّر، ظهرت نسخة عصرية من اللعبة تُعرف بـ"السيك العصري"، حيث استُبدلت كومة الرمل بطاولة خشبية مصممة بعناية لتقليد "لبرا". 

جاء هذا التطوير استجابة لحاجة الأسر التي انتقلت إلى المدن للحفاظ على تراثها، مع التكيف مع الواقع الجديد.

ورغم هذا التغيير الشكلي، فإن السيك العصري لم يشهد أي تعديل في قوانينه أو طريقة اللعب، مما يجعله استمرارًا حيًا للتراث الموريتاني الأصيل داخل الحواضر والبيوت العصرية.

ختاما

تُعد لعبة "السيك" شاهدًا حيًا على قدرة الإنسان الموريتاني على تحويل عناصر البيئة البسيطة إلى أدوات ثقافية غنية بالمعنى، حيث تظل هذه اللعبة واحدة من أبرز الملامح التراثية التي تربط الحاضر بالماضي، وتمنح الأجيال القادمة نافذة على تاريخ اجتماعي وثقافي زاخر بالقيم والمعاني.