شهدت موريتانيا خلال الأشهر الأخيرة طفرة في تنظيم المهرجانات الثقافية، حيث امتدت هذه التظاهرات لتشمل مناطق واسعة من البلاد بعدما ظلت لسنوات طويلة مقتصرة على مدن تاريخية بعينها مثل شنقيط وودان وتيشيت وولاتة.
وقد رُوّج لهذه المهرجانات تحت شعار إحياء التراث الوطني وتعزيز الهوية الثقافية، وهو هدف نبيل لا خلاف عليه من حيث المبدأ.
غير أن الطابع الاحتفائي الذي يطغى على هذه الفعاليات، وما يرافقه من استعراضات فنية وتنظيمية مكلفة، جعل قطاعات واسعة من الرأي العام تطرح أسئلة ملحّة حول أهدافها الحقيقية: هل تشكل المهرجانات بالفعل رافعة للتنمية المحلية، ومحركاً للحفاظ على التراث وتثمينه؟
أم أنها تحولت إلى مبادرات سياسية ظرفية، تُستخدم لإبراز نفوذ أطراف معينة أو تعزيز حضورها الاجتماعي في لحظات حساسة؟
تتجلى هذه التساؤلات بوضوح في ولاية آدرار، التي احتضنت عدداً من المهرجانات خلال الفترة الأخيرة.
فالبعض يرى أن هذه الفعاليات لم تكن مجرد نشاط ثقافي عابر، بل كانت فرصة لإظهار شعبية تحالفات سياسية أو مجموعات قبلية، في سياق تنافسي يطغى عليه منطق المكاسب الرمزية والوجاهة الاجتماعية.
بينما يعتقد آخرون أن الهدف الأول كان مادياً بالأساس، نتيجة ما يثار من حديث عن استفادة جهات معينة من ميزانيات التنظيم والعقود المصاحبة.
وتعزز هذا الشك الشعبي مؤخراً مع تأجيل أربعة مهرجانات ثقافية في الولاية دون توضيح مقنع من الجهات المعنية، إضافة إلى تسريبات حول إمكانية إلغاء ثلاثة مهرجانات أخرى قريباً.
هذه التطورات، في ظل غياب الشفافية وضعف التواصل الرسمي، ساهمت في تأجيج حالة من عدم الثقة لدى السكان تجاه هذه الأنشطة والقائمين عليها، وأعادت النقاش حول جدوى هذه الفعاليات وطريقة إدارتها.
في المحصلة، لا يمكن إنكار أهمية المهرجانات الثقافية في إحياء الذاكرة الجماعية، وتنشيط الحركة الاقتصادية في المناطق الداخلية، وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني.
غير أن نجاحها يتطلب الابتعاد عن تسييسها أو تحويلها إلى مناسبات ظرفية ذات أهداف ضيقة.
كما يحتاج إلى اعتماد معايير واضحة للتمويل والتنظيم، وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في تحديد مضمون المهرجانات وأولوياتها.
فقط من خلال هذا المسار يمكن للمهرجانات أن تؤدي دورها الحقيقي: خدمة الثقافة لا خدمة السياسة، وإحياء التراث لا استغلاله.
محمد أعليوت .. المدير الناشر لوكالة أوجفت نيوز
