أحياء أطار... حين تتحول الدكاكين إلى منارات الذاكرة وخرائط للروح

بواسطة mohamed

في مدينة أطار، لا تُقاس المسافات بالكيلومترات ولا تُرسم الطرق بخطوط الإسفلت وحدها، بل تُهتدى الدروب بأسماء دكاكين كانت – ولا تزال – تشكل جزءاً من الوجدان الجمعي، كأنها بوصلة من الزمن الجميل، تشير لا إلى المكان فحسب، بل إلى روح المكان وعبق أهله.

هنا "بوتيك بوشيب"، وهناك "بوتيك الناصري"، ومنه جنوباً "بوتيك كل شي"، ثم "بوتيك الكوري"، و"بوتيك اجكاني"... ليست مجرد محلات تجارية، بل علامات من نور على طرقات الحنين، حفظها الناس كما تحفظ الأم أسماء أطفالها، ورددوها كما تُروى الحكايات على أبواب البيوت.

في أحياء أطار، لم تكن تلك الدكاكين أبواباً من خشب أو جدراناً من طين، بل كانت محاريب يومية للعيش المشترك. 

عند عتباتها التقى الأصدقاء، وتبادلت النسوة أخبار البيوت، وتهامست الجارات بأحاديث الودّ، وتعلم الأطفال أولى دروسهم في البيع والشراء، وفي الثقة قبل ذلك.

قد يغيب أصحابها، وقد تُغلق الأبواب أو تنهار الجدران، لكن أسماءهم بقيت ترفرف على الألسنة، كما يرفرف طائر لا يغادر سماءه. 

فالأسماء هناك لا تموت، بل تنبعث من جديد في نداءات سائق تاكسي، في ضحكة عابر، في ذاكرة عجوز، وفي حنين من لم يعشها لكنه سمع عنها كأنها أسطورة محلية لا تنقرض.

وفي أطار، تتحول الذاكرة إلى جغرافيا، والجغرافيا إلى سردٍ حيّ، والسرد إلى عشقٍ دفين. 

فكأن المدينة لا تحفظ أسماء أماكنها، بل تحفظ أرواح من عبروا منها، من عاشوا فيها، وتركوا خلفهم خيوطاً من دفء وودّ تتبعها الأجيال كأنها آثار أقدام على رمال لا تمحوها الرياح.

إنها أطار، حيث يُنادى باسم "بوتيك" قد اختفى منذ زمن، فيبتسم الركاب ويشيرون نحو الفراغ، لا دهشة بل عرفاناً، وكأنهم يقولون: المكان حيّ ما دامت أسماؤه تنبض في قلوبنا.

في أطار، ليس كل ما يُرى يُقال، ولكن كل ما يُقال يُعاش.