في حضن الوطن… حيث تتحوّل العطلة إلى وعي

بواسطة mohamed

ليست كل الدعوات الرئاسية متشابهة، بعضها يُقال ليُسمع، وبعضها يُقال ليوقظ فينا حسًا غافلًا، أو يُعيد ترتيب العلاقة بين المواطن والوطن. من بين تلك الدعوات التي تستبطن ما هو أعمق من ظاهرها، جاءت دعوة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى قضاء العطلة داخل البلاد. دعوة في ظاهرها ترويج للسياحة الوطنية، وفي باطنها تمرين هادئ على إعادة النظر في كيف نعيش هذا الوطن، لا كيف نمرّ به.

أن نختار أن نستريح في أحضان بلادنا، لا يعني فقط دعم اقتصاد محلي أو تنشيط قطاع خدمي، بل يعني أن نُعيد اكتشاف الجغرافيا التي لطالما عرفناها نظريًا وابتعدنا عنها عمليًا. أن نمنح أبناءنا فرصة ليعرفوا أن البحر الذي يحلمون به غير بعيد، وأن الكثبان التي تغري بها الصور ليست في بلد آخر. أن نقول، بلا كلام، إن موريتانيا ليست محطة انتظار، بل وجهة حياة.

غير أن ما يضفي على هذا التوجيه قيمته الحقيقية، هو حين يلامس شيئًا كان نائمًا فينا، شعورًا دفينًا بانتماء يحتاج فقط إلى من يوقظه بلغة هادئة. فالرسالة هنا لا تقف عند حدود النشاط السياحي، بل تتعداه إلى نداء داخلي بأن نعيد اكتشاف الوطن من الداخل، وأن نمنح وعينا فرصة ليتفاعل مع الفكرة لا أن يخضع لها وكأنها قرار مفروض أو واجب استعراضي.

وما يدعو للتأمل أكثر، أن الضجيج الإعلامي المصاحب، وموجة الصور التي تُلتقط على عجل لتُستهلك على المنصات، قد لا تكون المعيار الأصدق لقياس عمق الرسالة أو صدق التفاعل معها. فبعض الاستجابات التي تبدو لامعة في ظاهرها، تخبو سريعًا لأنها لم تنبع من قناعة. في حين أن الانتماء الحقيقي لا يحتاج إلى عدسة، بل إلى أثر.

ولهذا، فإن الأهم ليس فقط أن نستجيب، بل كيف نستجيب. فليست القيمة في أن نُرى حيث يُنتظر منّا أن نكون، بل في أن نترك أثرًا يدلّ على أننا كنّا فعلاً هناك، بكامل الحضور، وبوعي لا يحتاج إلى تكرار الدعوة. أثرٌ يجعل من الرحلة إلى الداخل بداية عادة، لا نهاية ظرف. فأن نعود من عطلتنا حاملين حنينًا جديدًا لأماكن كانت غريبة علينا، هو ما يجعل من هذه الدعوة مسارًا، لا مناسبة عابرة.

هكذا نفهم أن قضاء العطلة في الداخل ليس مجرد توصية موسمية، بل لحظة تأمل في معنى الانتماء، وتمرين على أن نُصغي لأنفسنا قبل أن نُجيب على أي نداء. فمن وعى معنى الوطن، لا يحتاج إلى من يُذكّره بأن فيه ما يستحق أن يُرى… ويُحب… ويُعاد إليه.

محمد لحظانه

المستشار الفني لوزير التجهيز والنقل، مكلف بالنقل الجوي