تحل اليوم الذكرى الحادية والأربعون لأول انقلاب عسكري شهدته موريتانيا فجر العاشر من يوليو 1978، حين أطاحت المؤسسة العسكرية بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، المختار ولد داداه.
ومنذ ذلك الحين، دخلت موريتانيا في دوامة من الانقلابات والمحاولات الانقلابية، تركت بصمات واضحة على استقرارها السياسي ومسارها التنموي.
خلال هذه العقود الأربعة، تحولت الذكرى إلى محطة سنوية تستحضر فيها النخب السياسية والمدنية تداعيات هذا التحول الجذري في مسار الحكم، حيث ما تزال أصوات عديدة ترتفع مطالِبة بوضع حد نهائي لتدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، وضرورة بناء نظام ديمقراطي مدني مستقر يعكس طموحات الشعب الموريتاني وتطلعاته.
ورغم أن الحضور المباشر للعسكريين في مؤسسات الدولة المدنية بدأ يتراجع نسبيًا في السنوات الأخيرة، إلا أن نفوذهم ما يزال قائمًا، سواء من خلال تولي بعضهم مراكز قرار بصفة مباشرة، أو عبر شخصيات مدنية يُنظر إليها على أنها "مُمَثلة لمصالح العسكر" أو ناطقة باسمهم، ما يعمّق أزمة الثقة ويعيد إلى الأذهان فصولًا مؤلمة من تاريخ الحكم العسكري في البلاد.
مدنيون في خدمة الانقلابات
المسؤولية عن هذه المرحلة التاريخية المعقدة لا تقع بالكامل على عاتق المؤسسة العسكرية، إذ ظلّ عدد كبير من الفاعلين المدنيين حاضرين ومشاركين في مختلف مراحل الإعداد للانقلابات، سواء من خلال تبريرها إعلاميًا وسياسيًا، أو بالدفاع عنها لاحقًا، أو حتى بالمشاركة النشطة في عمليات الفساد التي صاحبتها.
ولم يكن دور هؤلاء المدنيين هامشيًا، بل كان في كثير من الأحيان حاسمًا، إذ أسهموا في شرعنة الانقلابات، والتنظير لسياسات الإقصاء والتصفية، فضلاً عن المساهمة في تطبيق تلك السياسات على أرض الواقع، سواء بحماس أو بدوافع شخصية ضيقة.
إرث ثقيل ومطالب بالقطيعة
خلفت مرحلة الحكم العسكري إرثًا ثقيلًا من سوء التسيير، والوعود غير المنجزة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ما جعل الكثيرين يرون أن القطيعة مع هذه المرحلة لم تعد خيارًا بل ضرورة وطنية.
وبرز هذا الوعي بشكل جلي في خطابات عدد من الناشطين والسياسيين خلال المناسبات الوطنية، حيث تتجدد المطالب بتكريس الحكم المدني وترسيخ الديمقراطية الحقيقية.
ورغم كل ذلك، ما تزال بعض الأصوات داخل الطبقة السياسية الموريتانية تُظهر استعدادًا صريحًا لدعوة الجيش للتدخل في الصراعات السياسية، بل وتبني استراتيجيات تقوم على تهيئة الظروف لانقلاب جديد، في مفارقة تكشف عن تعثّر المسار الديمقراطي وعن غياب البدائل الجادة لدى بعض النخب.
ختاما
تأتي ذكرى العاشر من يوليو هذا العام، في وقت تشهد فيه موريتانيا حراكًا سياسيا متزايدًا ومطالب متنامية بإصلاحات عميقة وشاملة. وفي ظل التجارب المتكررة، بات من الواضح أن استقرار البلاد وتطورها لا يمكن أن يتحققا دون إرساء قطيعة حقيقية مع إرث الانقلابات، والعمل على بناء دولة مدنية ديمقراطية، يتساوى فيها المواطنون تحت مظلة القانون، وتُدار فيها شؤون البلاد بكفاءة، شفافية، ونزاهة.