رغم عقود من الشعارات والتعهدات، لا يزال الواقع المعيشي في ولاية آدرار بعيدًا عن آمال سكانها، ولم يشهد المواطن هناك تحسنًا ملموسًا أو تطورًا في مؤشرات التنمية الأساسية.
ومع استمرار التدهور في جودة الخدمات وتردي البنى التحتية، تبرز الحاجة إلى وقفة جادة لقراءة الوضع وتحليل مكامن الإخفاق التي جعلت هذه الولاية الصحراوية خارج خريطة التنمية الوطنية.
تُعد "تجمع تنومند" ببلدية انتركنت مثالًا حيًّا على التحديات التنموية التي تواجهها المناطق الداخلية، خاصة في ظل الحديث عن المصادقة على تجمعات جديدة، في وقتٍ تفتقر فيه القرى والمراكز القائمة إلى أبسط مقومات العيش الكريم.
فهل تُضاف أسماء على الورق دون خطط فعلية؟ أم أن الأزمة أعمق مما يبدو في الخطاب الرسمي؟
أولًا: غياب الإطار المنطقي للتنمية
لا يمكن لأي خطة تنموية أن تؤتي أكلها دون رؤية استراتيجية واضحة، ترتكز على خصوصيات الجهة واحتياجات سكانها. غير أن ما تشهده آدرار هو ارتجال تنموي يعتمد على ردود الأفعال بدل المبادرات الاستباقية، وسط غياب دراسات حقيقية وخطط محلية تنبع من الواقع، لا تُفرض من المركز دون اعتبار للفوارق الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية.
ثانيًا: عجز المنتخبين المحليين
يُسجّل المتابعون بمرارة غيابًا شبه تام للدور الفاعل للمنتخبين المحليين، الذين تحوّلوا في كثير من الأحيان إلى مجرّد واجهات سياسية لا صوت لها في مراكز القرار.
ومما يزيد الطين بلة، ضعف التنسيق بين المجالس الجهوية والسلطات التنفيذية، ما يؤدي إلى تداخل الصلاحيات وهدر الموارد دون أي مردودية فعلية على حياة المواطنين.
ثالثًا: تغييب المجتمع المدني
في حين يُفترض أن يكون المجتمع المدني شريكًا أساسيًا في التنمية، لا يزال هذا الدور مغيبًا أو مهمشًا في آدرار، رغم وجود جمعيات محلية تمتلك رؤى وأفكارًا قابلة للتنفيذ.
لكن غياب الإرادة السياسية لإشراكها في وضع السياسات وتقييم المشاريع، يجعل هذه الطاقات محصورة في نطاق محدود، في الوقت الذي تحتاج فيه الولاية إلى تعبئة شاملة لكل الكفاءات.
رابعًا: هشاشة البنية التحتية وغياب الخدمات الحيوية
في تجمعات مثل "تنومند"، تفتقر القرى إلى شبكات مياه مأمونة، وخدمات صحية وتعليمية لائقة، إضافة إلى غياب الطرق المعبدة التي تربطها بالمراكز الحيوية.
هذه الأوضاع تضعف فرص الاستقرار وتُسرّع وتيرة النزوح نحو المدن، مما يفاقم الأزمة الاجتماعية ويكرّس الفوارق بين الريف والحضر.
الحاجة إلى تصحيح المسار
إن الحديث عن المصادقة على تجمعات جديدة في ظل هذا السياق، يفرض تساؤلات مشروعة حول الأولويات، وجدوى التوسعة الإدارية دون توفير الأرضية التنموية.
المطلوب اليوم ليس مجرد إعادة تقسيم إداري، بل مشروع وطني متكامل يعيد الاعتبار لولاية آدرار، ويضع حدًا لعقود من التهميش والإقصاء.
الوقت لا يحتمل مزيدًا من التجريب أو الوعود الجوفاء. فمواطن آدرار يحتاج إلى تنمية واقعية تبدأ من حاجاته اليومية، لا من حسابات السياسات المركزية.
محمد أعليوت ......... صحفي